WhatsApp Image 2025-05-20 at 03.38.37.jpeg

الخميس, ٠٨ مايو ٢٠٢٥ ٠٣:٣٩:٠٠ WIB

0

ذلك المصباح اسمه الأستاذ الدكتور ميزر: آثار المحبة والعلم التي لا تنطفئ أبداً

لم يمضِ وقتٌ طويل منذ أن لامست أشعة الشمس باحةَ كلية العلوم والتكنولوجيا بجامعة سونان كاليجاكا الإسلامية الحكومية، حتى بدأ أعضاء الأسرة الأكاديمية يتوافدون واحداً تلو الآخر إلى القاعة المسرحية، صباح يوم الأربعاء، السابع من مايو عام 2025م. لم يأتوا لحضور ندوةٍ علمية فحسب، بل ليكونوا شهوداً على أمرين عظيمين: مسعى لنسج العلم من أجل استدامة الطبيعة، وتكريم صادق لشخصيةٍ كانت ولا تزال مصباحاً ينير دروب الكفاح — الأستاذ الدكتور ميزر سعيد نهضي، في العلوم.

افتُتح البرنامج بندوةٍ علميةٍ تحت عنوان: «علم النبات الإثني والحكمة المحلية: نسجُ العلم والحفاظ على الطبيعة»، بمشاركة المحاضرين الوطنيين: الأستاذة الدكتورة تجوت سوغنداواتي دجوهان، وأرديان براموديا، الماجستير في العلوم. لقد أغنت الندوةُ النقاشَ الأكاديمي، وذكَّرت بأهمية العلم المتجذر في الثقافة والقيم المحلية.

jبدّلت الأجواء لتغدو أكثر خشوعاً ووقاراً عند انطلاق جلسة تدشين كتاب السيرة الذاتية للأستاذ الدكتور ميزر سعيد نهضي، تلتها مراسمُ توديعِه بمناسبة إحالته إلى التقاعد. لقد شكّل ذلك اليوم علامةً فارقةً، ليس فقط كنهايةٍ لفترة الخدمة، بل كبدايةِ مسيرةٍ طويلةٍ لإرثٍ علميٍّ وسيرةِ قدوةٍ لا يمكن تعويضه

عندما صعدَ مديرُ جامعة سونان كاليجاكا الإسلامية الحكومية، الأستاذ الدكتور نورهايدي حسن، الحاصل على درجة الدكتوراه، إلى المنصة، خيّم الصمتُ على أرجاء القاعة. كان صوته هادئاً، إلا أنّ نبرةً من التأثر العميق كانت واضحةً لا تخفى. بدأ كلمته بصوتٍ خافتٍ، لكنه مفعمٌ بالتقدير والإجلال.

قال: "اليوم، لا أقف هنا بصفتي مديرَ الجامعة فحسب، بل بصفتي تلميذاً يرافق أستاذَه في طريق العودة. إنّ الأستاذ الدكتور مايذر لم يكن مجردَ محاضرٍ، ولا مجردَ عميد. بل كان مصباحاً أنار عتمةَ مسيرة التحوّل التي شهدها هذا الصرح العلمي، من معهد سونان كاليجاكا العالي للشؤون الإسلامية الحكومية  إلى جامعة سونان كاليجاكا الإسلامية الحكومية.

استرجعَ مديرُ الجامعة ذكرياتِ تلك الأيام التي كان فيها مفهومُ دمجِ العلوم الحديثة في إطارِ التقاليد العلمية الإسلامية يُعدّ غريباً ومستنكراً. غير أنّه في تلك اللحظات الحرجة، برز الأستاذ الدكتور مايذر كالشعاع المنير: يُقنع، ويُمهد، ويضع الأسُس التي أضحت اليوم صروحاً نابضةً بالحياة ومبانٍ تملؤها روحُ العلم والحيوية.

وتابع قائلاً: "لم تكن لمساتُ يده تقتصر على بناء كليةٍ فحسب، بل كانت تسهم في تشكيل حضارة. بعلمه الهادئ، شيدَ كلية العلوم والتكنولوجيا (كلية ساينتيك) بلمسةٍ أموميةٍ دافئة، جعلت منها مؤسسةً جميلةً، تقدميةً، ومعترفاً بها اليوم على الصعيدين الوطني والدولي."

وبصوتٍ يملؤه الارتجاف، عبّر الأستاذ الدكتور نورهايدي عن أن كلية العلوم والتكنولوجيا  أصبحت اليوم بذرةً لإنشاء كلية الطب في جامعة سونان كاليجاكا الإسلامية الحكومية. ثم قال: "لم يكن ذلك ثمرةَ الصدفة، بل يقف وراءه جهدٌ صادقٌ وصبرٌ طويلٌ ودموعٌ خفيةٌ وإخلاصٌ عميقٌ من أستاذِنا الفاضل. وإنَّ أقلَّ ما يمكننا تقديمُه وفاءً له هو صونُ هذا الإرث العظيم الذي خلَّفه لنا."

وقبل أن يختتم كلمته، أوصى مديرُ الجامعة القياداتِ الحالية بالمحافظة على الروح والقيم التي غرسها الأستاذ الدكتور مايذر في هذا الصرح. وأردف قائلاً: "لقد أسَّسنا دعائمَ متينةً في مجالاتٍ شتى، وحان الوقتُ لننطلق بها نحو آفاق الاعتراف الدولي. لقد بدأنا المشوار، والآن جاء دورُنا لنُشعلَ مصابيحَ جديدةً، تُكملُ نوره وتُضيءُ المستقبل."

في كلمتها، لم تستطع عميدة كلية العلوم والتكنولوجيا، الأستاذة الدكتورة حرول وارداتي ، أن تخفي مشاعر التأثر العميق. لقد أقرت بأن الكليةَ التي تتولى قيادتها اليوم قائمةٌ على أسسٍ متينةٍ أرساها الأستاذ الدكتور مايذر، بكل حبٍّ وإخلاصٍ ونزاهة.

وقالت: "لم يكن أستاذُنا المؤسسَ فقط، بل كان مرشداً وأميناً على القيم. نحن اليوم نقف في مكانٍ لم يُبنَ بالحجارة فحسب، بل بصدق القلب وصفاء النية."

وقد استقبلَ جميعُ أفراد الأسرة الأكاديمية، من الوكلاء ورؤساء البرامج الدراسية إلى الطلاب والخريجين، كتابَ السيرة الذاتية (بيتي جنّتي) كرمزٍ للاعتراف والتقدير، ليس فقط لتفاني الأستاذ الدكتور مايذر في العمل، بل ولقدوته التي ظلت تنبضُ في روح الكلية لعقودٍ طويلة.

وفي خطابه بمناسبة بلوغه سن التقاعد، لم يتحدث الأستاذ الدكتور مايذر كشخصٍ يودّع، بل كأمٍّ تودع بيتها بين أيدي أبنائها.

وقال: "إن دخولي مرحلةَ التقاعد ليس نهايةً، بل بدايةُ مرحلةٍ جديدةٍ من العطاء بشكلٍ آخر. واصلوا الإبداع ولا تملّوا من غرس العلم، فكلُّ ما نزرعه اليوم سيغدو شجرةً تُظلّل أجيالَ المستقبل."

ووصف كليةَ العلوم والتكنولوجيا بأنها بيته الثاني، المكان الذي نشأ فيه وخدمه وزرع فيه بذورَ الحب والعلم. ووجّه رسالةً خاصةً إلى الأساتذة الشباب بأن يحافظوا على روح التعاون ونزاهة الأكاديميا، فهناك تكمنُ كرامةُ المعلّم وشرفُ الرسالة.

في ذلك اليوم، تحوّلت قاعةُ المسرح إلى ذاكرةٍ حيّة. لم تكن الدموع التي انهمرت في صمتٍ دموعَ فراقٍ، بل دموعَ محبةٍ وامتنان. فشخصيةُ الأستاذ الدكتور مايذر لن ترحل أبداً؛ ستظلُّ حاضرةً في الكتب التي نقرأها، وفي روحِ العمل التي نؤديها، وفي الدعاء الذي نرفعه كلما ذكرنا اسمَ هذه الكلية.

حفظكم الله في مرحلتكم الجديدة، أستاذنا الكريم مايذر. شكراً لأنكم كنتم لنا مشكاةً للنور، وعلّمتمونا ألا نخشى إشعالَ المصابيح."